{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى
1- الفئ و تعريفه من فقة السنة :
1-الفئ مأخوذ من فاء يفئ إذا رجع ، وهو المال الذي أخذه المسلمون من أعدائهم دون قتال . وهو الذي ذكره الله سبحانه في قوله :
" وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم (أوجفتم : أصل الايجاف سرعة السير . والركاب : الابل التي يسافر عليها لا واحد لها من لفظها ، أي ما سقتم ولا حركتم خيلا ولا إبلا أي لم يعدوا في تحصيله خيلا ولا إبلا بل حصل بلا قتال) عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على على شئ قدير –
واتقوا الله إن الله شديد العقاب - للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون –
والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون - والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم "
2- فذكر الله المهاجرين الذين هاجروا إلى المدينة ، ممن دخل في الاسلام قبل الفتح . وذكر الانصار - وهم أهل المدينة - الذين آووا المهاجرين ، وذكر من جاء من بعد هؤلاء إلى يوم القيامة .
تقسيمه :
3-قال القرطبي : قال مالك : " هو موكول إلى نظر الامام واجتهاده ، فيأخذ منه من غير تقدير ، ويعطي منه القرابة باجتهاده ، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين ، وبه قال الخلفاء الاربعة ، وبه عملوا ، وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم : " مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس ، والخمس مردود عليكم " .
2-عقد الامان
إذا طلب الامان أي فرد من الاعداء المحاربين قبل منه ، وصار بذلك آمنا ، لا يجوز الاعتداء عليه بأي وجه من الوجوه . يقول الله سبحانه : " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ، ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون "
3- من له هذا الحق :
1- وهذا الحق ثابت للرجال والنساء ، والاحرار والعبيد ، فمن حق أي فرد من هؤلاء أن يؤمن أي فرد من الاعداء يطلب الامان ، ولا يمنع من هذا الحق أحد من المسلمين إلا الصبيان والمجانين ، فإذا أمن صبي أو مجنون أحدا من الاعداء فإنه لا يصح أمان واحد منهما .
روى أحمد ، ، عن علي كرم الله وجهه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : " ذمة المسلمين واحدة ، يسعى بها أدناهم ، وهم يد على من سواهم " .
2-وروى البخاري ، وأبو داود والترمذي عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها أنها قالت : " قلت يارسول الله . زعم ابن أم علي . أنه قاتل رجلا قد أجرته فلان ( ابن هبيرة ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قد أجرنا (: أمنا من أمنت) من أجرت يا أم هانئ " .
3- نتيجة الامان :
1-ومهما تقرر الامان بالعبارة أو الاشارة ، فإنه لا يجوز الاعتداء على المؤمن ، لانه بإعطاء الامان له عصم نفسه من أن تزهق ورقبته من أن تسترق .
2- وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أنه بلغه أن بعض المجاهدين قال لمحارب من الفرس : " لا تخف ، ثم قتله " فكتب رضي الله عنه إلى قائد الجيش : " إنه بلغني أن رجالا منكم يطلبون العلج .حتى إذا اشتد في الجبل وامتنع ، يقول له : " لا تخف " فإذا أدركه قتله ! وإني والذي نفسي بيده . لا يبلغني أن أحدا فعل ذلك إلا قطعت عنقه .
3- وروى البخاري في التاريخ ، والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " من أمن رجلا على دمه فقتله ، فأنا برئ من القاتل وإن كان المقتول كافرا "
4- وروى البخاري ومسلم وأحمد عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة " .
4- متى يتقرر هذا الحق :
1- ويتقرر حق الامان بمجرد إعطائه ، ويعتبر نافذا من وقت صدوره إلا أنه لا يقر نهائيا إلا بإقرار الحاكم ، أو قائد الجيش . وإذا تقرر الامان ، وأقر من الحاكم أو الجيش ، صار المؤمن من أهل الذمة ، وأصبح له ما للمسلمين وعليه ما عليهم . ولا يجوز إلغاء أمانه إلا إذا ثبت أنه أراد أن يستغل هذا الحق في إيقاع الضرر بالمسلمين ، كأن يكون جاسوسا لقومه ، وعينا على المسلمين .
5- عقد الامان لجهة ما : "
1- إنما يصح الامان من آحاد المسلمين إذا أمن واحدا أو اثنين فأما عقد الامان لاهل ناحية على العموم فلا يصح إلا من الامام على سبيل الاجتهاد ، وتحري المصلحة كعقد الذمة ، ولو جعل ذلك لاحاد الناس صار ذريعة إلى إبطال الجهاد "
2-الرسول حكمه حكم المؤمن والرسول مثل المؤمن ، سواء أكان يحمل الرسائل أو يمشي بين الفريقين المتقاتلين بالصلخ ، أو يحاول وقف القتال لفترة يتيسر فيها نقل الجرحى والقتلى . يقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم لرسولي مسيلمة : " لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما " . أخرجه أحمد ،
3- وأبود داود من حديث نعيم بن مسعود (وكان الرسول قرأ كتاب مسيلمة ، وقال لهما : ما تقولان أنتما . قالا : نقول كما قال : أي أنهما يقولان بنبوته .
) . وأوفدت قريش أبا رافع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوقع الايمان في قلبه ، فقال : يارسول الله لا أرجع إليهم ، وأبقى معكم مسلما . فقال الرسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لا أخيس بالعهد ، ولا أحبس البرد فارجع إليهم آمنا ، فإن وجدت بعد ذلك في قلبك ما فيه الان ، فارجع إلينا " . أخرجه أحمد
4-وفي كتاب الخراج لابي يوسف والسير الكبير لمحمد : أنه إن اشترط للرسول شروط وجب على المسلمين أن يوفوا بها ، ولا يصح لهم أن يغدروا برسل العدو ، حتى ولو قتل الكفار رهائن المسلمين عندهم ، فلا نقتل رسلهم لقول نبينا : " وفاء بغدر خير من غدر بغدر " .
6- المستأمن تعريفه :
1-المستأمن هو الحربي الذي دخل دار الاسلام بأمان (إذا دخل التبليغ رسالة ونحوها أو لسماع كلام الله ، فهو آمن دون حاجة إلى عقد ، أما إذا دخل للتجارة وأعطي الاذن ممن يملكه فهو مستأمن) دون نية الاستيطان بها والاقامة فيها بصفة مستمرة ، بل يكون قصده إقامة مدة معلومة ، لا تزيد على سنة ،
فإن تجاوزها ، وقصد الاقامة بصفة دائمة ، فإنه يتحول إلى ذمي ويكون له حكم الذمي في تبعيته للدولة الاسلامية ، ويتبع المستأمن في الامان ، ويلحق به زوجته وأبناؤه الذكور القاصرون ، والبنات جميعا ، والام ، والجدات ، والخدم ، ماداموا عائشين مع الحربي الذي أعطي الامان . وأصل هذا قول الله سبحانه وتعالى : " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنة .
7-حقوقه :
1- وإذا دخل الحربي دار الاسلام بأمان ، كان له حق المحافظة على نفسه وماله وسائر حقوقه ومصالحه ، مادام مستمسكا بعقد الامان ، ولم ينحرف عنه . ولا يحل تقييد حريته ، ولا القبض عليه مطلقا ، سواء قصد به الاسر ، أو قصد به الاعتقال ، لمجرد أنهم رعايا الاعداء أو لمجرد قيام حالة الحرب بيننا وبينهم .
2-قال السرخسي : " أموالهم صارت مضمونة بحكم الامان ، فلا يمكن أخذها بحكم الاباحة " .
وحتى إذا عاد إلى دار الحرب فإنه يبطل الامان بالنسبة لنفسه ، ويبقى بالنسبة لماله .
3- قال في المغني : " إذا دخل حربي دار الاسلام بأمان ، فأودع ماله مسلما أو ذميا ، أو أقرضهما إياه ، ثم عاد إلى دار الحرب ، نظرنا ، فإن دخل تاجرا ، أو رسولا ، أو متنزها ، أو لحاجة يقضيها ، ثم يعود إلى دار الاسلام ، فهو على أمانه في نفسه ، وماله ، لانه لم يخرج بذلك عن نية الاقامة في دار الاسلام ، فأشبه الذمي لذلك ، وإن دخل دار الحرب مستوطنا ، بطل الامان في نفسه ، وبقي في ماله ، لانه بدخوله دار الاسلام بأمان ، ثبت الامان لماله ، فإذا بطل الامان في نفسه بدخوله دار الحرب ، بقي في ماله ، لاختصاص المبطل بنفسه ، فيختص البطلان فيه .
8-الواجب عليه :
وعليه المحافظة على الامن والنظام العام ، وعدم الخروج عليهما ، بأن يكون عينا ، أو جاسوسا ، فإن تجسس على المسلمين لحساب الاعداء حل قتله إذ ذاك .
9- تطبيق حكم الاسلام عليه :
1-تطبق على المستأمن القوانين الاسلامية بالنسبة للمعاملات المالية ، فيعقد عقد البيع وغيره من العقود حسب النظام الاسلامي ، ويمنع من التعامل بالربا ، لان ذلك محرم في الاسلام . وأما بالنسبة للعقوبات ، فإنه يعاقب بمقتضى الشريعة الاسلامية إذا اعتدى على حق مسلم . وكذلك إذا كان الاعتداء على ذمي ، أو مستأمن مثله لان إنصاف المظلوم من الظالم وإقامة العدل من الواجبات التي لا يحل التبساهل فيها . وإذا كان الاعتداء على حق من حقوق الله مثل اقتراف جريمة الزنا فإنه يعاقب كما يعاقب المسلم ، لان هذه جريمة من الجرائم التي تفسد المجتمع الاسلامي
خالف في ذلك أبو حنيفة فقال : إن العقوبات التي تكون حقا لله أو يكون فيه حق الله غالبا فانه لا يقام فيها الحد على المستأمن ، وهذا رأي مرجوح .
10- مصادرة ماله :
1-ومال المستأمن لا يصادر إلا إذا حارب المسلمين ، فأسر واسترق وصار عبدا ، فإنه في هذه الحال تزول عنه ملكية ماله ، لانه صار غير أهل للملكية . ولا يستحق الورثة ، ولو كانوا في دار الاسلام شيئا ، لان استحقاقهم يكون بالخلافة عنه ، وهي لا تكون إلا بعد موته ، وهو لم يمت ، وماله في هذه الحال يئول إلى بيت مال المسلمين ، على أنه من الغنائم . وإذا كان له دين على بعض المسلمين أو الذميين ، يسقط عن المدين لعدم وجود من يطالب به .
11- ميراثه :
1- إذا مات المستأمن في دار الاسلام ، أو في دار الحرب فإن ملكيته لماله لا تذهب عنه ، وتنتقل إلى ورثته عند الجمهور ، خلافا للشافعي .
وعلى الدولة الاسلامية أن تنقل ماله إلى ورثته ، وترسله إليهم ، فإن لم يكن له ورثة ، كان ذلك المال فيئا للمسلمين . العهود والمواثيق احترام العهود : ان احترام العهود والمواثيق واجب إسلامي ، لما له من أثر طيب ، ودور كبير في المحافظة على السلام ، وأهمية كبرى في فض المشكلات وحل المنازعات وتسوية العلاقات .
2-وجاء في كلام العرب : " من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم ، فهو ممن كملت مروءته . وظهرت عدالته ، ووجبت أخوته " . وهذا حق ، فإن حسن معاملة الناس ، والوفاء لهم ، والصدق معهم دليل كمال المروءة ، ومظهر من مظاهر العدالة ، وذلك يستوجب الاخوة والصداقة . والله سبحانه يأمر بالوفاء بجميع العهود والالتزامات ، سواء أكانت عهودا مع الله ، أم مع الناس ، فيقول : " يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " .
3- وأي تقصير في الوفاء بهذا الامر يعتبر إثما كبيرا ، يستوجب المقت والغضب : " يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون - كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون " .
وكل ما يقطعه الانسان على نفسه من عهد ، فهو مسئول عنه ومحاسب عليه : " وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا " (
وحق العهد مقدم على حق الدين : " والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق "
4- والوفاء جزء من الايمان ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إن حسن العهد من الايمان " .
12- وليس للوفاء جزاء إلا الجنة :
1-" والذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون - والذين هم على صلواتهم يحافظون - أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون " .
2-ولقد كان الوفاء خلق الانبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام : " واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا "
. وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم المثل الاعلى في هذا الخلق : قال عبد الله بن أبي الحمساء : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ببيع قبل أن يبعث ، وبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه ، فنسيت ، ثم ذكرت بعد ثلاث ، فجئت فإذا هو في مكانه ، فقال صلى الله عليه وسلم : " يافتى لقد شققت علي ، أنا ها هنا منذ ثلاث أنتظرك "
3-وقد عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة اليهود عهدا ، أقرهم فيه على دينهم ، وأمنهم على أموالهم ، بشرط ألا يعينوا عليه المشركين ، فنقضوا العهد ، ثم اعتذروا ، ثم رجعوا فنقضوه مرة أخرى
، فأنزل الله عزوجل : " إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون . الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون "
4- وعاهد ثعلبة ربه على أن يعطي كل ذي حق حقه إذا وسع الله عليه في الرزق ، وأغناه من فضله . فلما بسط الله له من رزقه ، وأكثر له من المال والثروة ، نقض العهد وبخل على عباد الله ، فأنزل الله في حقه : " ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين - فلما آتاهم من فضله بخلوا من وتولوا وهم معرضون - فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون "
5- ولما حضرت الوفاة عبد الله بن عمر ، قال : " إنه خطب إلي ابنتي رجل من قريش . وقد كان مني إليه شبه الوعد . فوالله لا ألقى الله بثلث النفاق ، أشهدكم أني قد زوجته ابنتي " .
وهو يشير بذلك إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث من كن فيه فهو منافق ، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم : من إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان "
6-.وفي التشنيع على الناقضين للعهود ، يقول الله عزوجل : " وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون - ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة - إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون "
13-شروط العهود :
ويشترط في العهود التي يجب احترامها والوفاء بها ، الشروط الاتية :
1 - ألا تخالف حكما من الاحكام الشرعية المتفق عليها . يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط " .
2 - أن تكون عن رضا واختيار ، فإن الاكراء يسلب الارادة ، ولا احترام لعقد لم تتوفر فيه حريتها .
3 - أن تكون بينة واضحة ، لا لبس فيها ولا غموض حتى لا تؤول تأويلا يكون مثارا للاختلاف عند التطبيق .
14- نقض العهود :
ولا تنقض العهود إلا في إحدي الحالات الاتية :
1 - إذا كانت مؤقتة بوقت ، أو محددة بظرف معين ، وانتهت مدتها ، وانتهى ظرفها .
روى أبو داود والترمذي عن عمر بن عبسة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من كان بينه وبين قوم عهد ، فلا يجلن عهدا ، ولا يشدنه ، حتى يمضي أمده ، أو ينبذ إليهم على سواء .
ويقول القرآن الكريم : " إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين
. 2 - إذا أخل العدو بالعهد : " فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين " " وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون . ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدأوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين " .
3 - إذا ظهرت بوادر الغدر ودلائل الخيانة . " وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين "
الاعلام بالنقض تحرزا عن الغدر إذا علم الحاكم الخيانة ممن كان بينهم وبين المسلمين عهد فإنه لا تحل محاربتهم إلا بعد إعلامهم بنبذ العهد ، وبلوغ خبره إلى القريب والبعيد حتى لا يؤخذوا على غرة . يقول الله سبحانه في سورة الانفال : " وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين "
15-وقاعدة الاسلام : " وفاء بغدر خير من غدر بغدر "
1-. قال محمد بن الحسن في كتاب السير الكبير : " لو بعث أمير المسلمين إلى ملك الاعداء من يخبره بنبذ العهد عند تحقق سببه ، فلا ينبغي للمسلمين أن يغيروا عليهم وعلى أطراف مملكتهم ، إلا بعد مضي الوقت الكافي لان يبعث الملك إلى تلك الاطراف خبر النبذ حتى لا نأخذهم على غرة ، ومع ذلك إذا علم المسلمون يقينا أن القوم لم يأتهم خبر من قبل ملكهم فالمستحب لهم أن لا يغيروا عليهم حتى يعلموهم بالنبذ ، لان هذا شبيه الخديعة . . وكما على المسلمين أن يتحرزوا من الخديعة ، عليهم أن يتحرزوا من شبه الخديعة " .
2-وحدث ان أهل قبرص أحدثوا حدثا عظيما في ولاية عبد الملك بن مروان فأراد نبذ عهدهم ونقض صلحهم ، فاستشار الفقهاء في عصره ، منهم : الليث بن سعد ومالك وأنس ،
فكتب الليث بن سعد : " إن أهل قبرص لا يزالون متهمين بغش أهل الاسلام ومناصحة أهل الاعداء " الروم " وقد قال الله تعالى : " وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء " . وإني أرى أن تنبذ إليهم وإن تنظر هم سنة " . أما مالك بن أنس فكتب في الفتيا يقول : " إن أمان أهل قبرص وعهدهم كان قديما متظاهرا من الولاة لهم ، ولم أجد أحدا من الولاة نقض صحلهم ، ولا أخرجهم من ديارهم ، وأنا أرى أن لا تعجل بمنابذتهم حتى تتجه الحجة عليهم فإن الله يقول : " فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم " . فإن لم يستقيموا بعد ذلك ويدعوا غشهم ورأيت الغدر ثابتا فيهم ، أوقعت بهم بعد النبذ والاعذار فرزقت النصر " .
16- من معاهدات الرسول
1 - ولقد عاهد النبي صلى الله عليه وسلم بني ضمرة من قبائل العرب ، وهذا نص ذلك العهد : " هذا كتاب محمد رسول الله لبني ضمرة ، بأنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم ، وأن لهم النصر على من رامهم ، إلا أن يحاربوا في دين الله ، مابل بحر صوفة ، وإن النبي " صلى الله عليه وسلم " إذا دعاهم إلى النصرة أجابوه ، عليهم بذلك ذمة رسوله ، ولهم النصر من برمنهم واتقى " .
2 - كما عاهد اليهود على حسن الجوار أول ما استقر به المقام بالمدينة ، وفيما يلي نصها العهد :
بسم الله الرحمن الرحيم " هذا كتاب من محمد النبي ( رسول الله ) بين المؤمنين والمسلمين من قريش ، وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم . أنهم أمة واحدة من دون الناس . المهاجرون من قريش على ربعتهم (أمرهم الذي كانوا عليه) يتعاقلون () يأخذون ديات القتل ويعطونها .
وأصله من العقل وهو ربط إبل الدية لدفعها لاهل القتيل :
) بينهم ، وهم يفدون عانيهم (أسيرهم .) بالمعروف والقسط بين المؤمنين . وبنو عوف على ربعتهم ، يتعاقلون معاقلهم الاولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين . وبنو الحارث ( من الخزرج ) على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين . وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين .
وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى ،
وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين . وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين .
وبنو عمر بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين . وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين . وبنو الاوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الاولى ،
وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين . وأن المؤمنين لا يتركون مفرحا (هو من أثقله الدين والغرم فأزال فرحه) بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل .
وألا يخالف مؤمن مولى مؤمن دونه . وأن المؤمنين المتقين أيديهم على كل من بغى منهم ، أو ابتغى دسيعة (الدسع : الدفع ، والمعنى : طلب دفعا على سبيل الظلم أو ابتغى عطية على سبيل الظلم) ظلم ، أو إثما ، أو عدوانا ، أو فسادا بين المؤمنين ، وأن أيديهم عليه جميعا ولو كان ولد أحدهم . ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ، ولا ينصر كافرا على مؤمن . وأن ذمة الله واحدة ، يجير عليهم أدناهم ، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس . وأنه من تبعنا من يهود ، فإن له النصر والاسوة (في هذا ما يفيد أن النصر والمساواة لمن تبع اليهود ) غير مظلومين ولا متناصر عليهم .
وأن سلم المؤمنين واحدة ، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله ، إلا على سواء وعدل بينهم (يؤخذ من هذا أن إعلان الحرب على جماعة مسلمة إعلان لها على الامة الاسلامية كلها) . وأن كل غازية غزت معنا يعقب أي يكون الغزو بينهم نوبا يعقب بعضهم بعضا فيه) بعضها بعضا .
وأن المؤمنين يبئ (يبئ : من أبأت القاتل بالقتيل إذا قتلته به ) بعضهم على بعض . بمال نال دماءهم في سبيل الله . وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه . وأنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا ، ولا يحول دونه على مؤمن . وأنه من اعتبط (اعتبطه : قتله بلا جناية أو جريرة توجب قتله ) مؤمنا قتلا عن بيئة فإنه قود به (فإن القاتل يقاد به ويقتل ) ، إلا أن يرضى ولي المقتول بالعقل ، وأن المؤمنين عليه كافة ولا يحل لهم إلا قيام عليه . وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة ، وآمن بالله واليوم الاخر ،
أن ينصر محدثا أو يؤويه ، وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل فيه منع نصرة المجرم) . وأنكم مهما اختلفتم فيه من شئ ، فإن مرده إلى الله وإلى محمد . وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين (فيه استقلال كل أمة المسلمين واليهود كما أنها تضمنت مخالفة عسكرية بمقتضاها تتعاون الامتان في كل حرب وعلى كل منهما نفقة جيشها خاصة ) . وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين ، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ، مواليهم وأنفسهم ، إلا من ظلم أو أثم ، فإنه لا يوتغ () يوتغ : يهلك ويفسد ) إلا نفسه وأهل بيته (في هذا تقرير الحرية الدينية والاقتصادية ) وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف .
وأن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف . وأن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف . وأن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف . وأن ليهود بني الاوس مثل ما ليهود بني عوف . وأن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف . إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته .
وأن جفنة - بطن من ثعلبة - كأنفسهم . وأن لبني الشطبية مثل ما ليهود بني عوف ، وأن البر دون الاثم . وأن موالي ثعلبة كأنفسهم . وأن بطانة يهود كأنفسهم . وأنه لا يخرج منهم أحد ألا بإذن محمد . وأنه لا ينحجز على ثأر جرح ، وأنه من فتك فبنفسه وأهل بيته ، إلا من ظلم ، وأن له على أبر هذا . وأن على اليهود نفقتهم ، وعلى المسلمين نفقتهم ، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة ، وأن بينهم النصح ، والنصيحة ، والبر دون الاثم (في هذا إلزام الطرفين التشاور والتناصح قبل دخول الحرب ) . وأنه لا يأثم امرؤ بحليفه ، وأن النصر للمظلوم (لا بد من أن تكون الحرب مشروعة حتى يمكن للمسلمين المشاركة فيها . ) . وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين . وأن يثرب حرام جوفها لاهل هذه الصحيفة . وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم . وأنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها .
وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده ، فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله " صلى الله عليه وسلم " وأن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره .
وأنه لا تجار قريش ، ولا من نصرها . وأن بينهم النصر على من دهم يثرب . وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه ، فإنهم يصالحونه ويلبسونه ، وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك ، فإنه لهم على المؤمنين ، إلا من حارب في الدين . على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم . وأن يهود الاوس ، مواليهم وأنفسهم على مثل ما لاهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة ، وأن البر دون الاثم ،
لا يكسب كاسب إلا على نفسه ، وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره . وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم ، وأنه من خرج آمن ، ومن قعد آمن بالمدينة ، إلا من ظلم وأثم ، وأن الله جار لمن بر واتقى ، ومحمد رسول الله " صلى الله عليه وسلم "
والحمد لله رب العالمين